إسعاف مصر "زى" التاكسى.. أبيض فى أحمر غلابة.. فسفورى بهوات


فى منطقة وسط المدينة تستقر لافتة تعود لبداية القرن الماضى، بلون أحمر يطل من أسفل تراكم الأتربة تعلن حروفها عن مرفق إسعاف القاهرة، إلى الجوار باب متهالك لمرور عربات الإسعاف.. بداخله تندمج رائحة عصر الباشاوات عبر شبابيك ضخمة، ولافتات الرخام التى كتبت كلماتها بأقلام بهوات هذا الزمان، مع رائحة تراكم الفساد لسنوات طويلة هَدَمت المبانى، وتركت السيارات معطلة بينما يموت الناس فى انتظارها على الجانب الآخر. 

هنا مرفق إسعاف القاهرة.. المقر الرئيسى لعربات الإسعاف صاحبة اللونين الأحمر والأبيض.. أو كما يقول يسرى سعيد، الذى يعمل هنا منذ 34 عاما سيارات إسعاف الغلابة.. القصة تعود لعام 2009، حين قرر النظام السابقة تخصيص مليار جنيه لتطوير الإسعاف، ولكن حين جاء التنفيذ تركوا مقر الإسعاف الأصلى وأنشئوا خدمه جديدة بعنوان هيئة الإسعاف المصرية.. قصة أشبه بتاكسى العاصمة ولكن مع خدمه الإسعاف.. تطوير شامل وسيارات فسفورية جديدة، وتكلفة أعلى للخدمات المدفوعة، اتجهت نحو الأماكن الراقية مثل شوارع العاصمة الكبرى، وشرم الشيخ، والساحل الشمالى، وتركت سيارات الإسعاف الأحمر والأبيض وعمالها الذين قضوا عشرات السنين بداخل المبنى الأسرى للعشوائيات، والقرى الفقيرة دون أى إمكانيات.

بداخل المبنى الأسرى وأسفل لافتات مخطوط فيها أسماء"بكاوات" المرحلة الملكية وشعار الزعيم الراحل مصطفى كامل" ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط" يحكى محمود كيف عاشوا تحت هذا الشعار سنين طويلة، حتى قرر النظام السابق بين يوم وليلة، القضاء على هذا المبنى، وعلى عمالة لصالح عماله مؤقتة تعتمد على تشغيل خريجين الجامعات والمعاهد المركونين فى صفوف البطالة فى عمل ليس لهم أى علاقة به سوى تدريب بسيط ثم تصفيتهم بين الحين والآخر.

وسط فراغ لا تملأه سوى بعض الطاولات الخشبية يجلس محمد السروجى، يعمل كعاطل فى غرفة العمليات اللاسلكية منذ عام 2009، يفسر سبب بطالته ويقول"سحبوا مننا ال 123" أو بمعنى آخر رقم هاتف الإسعاف، فيما قبل كان لكل مدينه وحدة مركزية مثل المسئول عنها محمد، بمجرد اتصالك يرد عليك أحد المتواجدين فيها ثم يقوم بإرسال سيارة إسعاف لك، ولكن مع المشروع الجديد حولوا الأمر إلى وحدة مركزية تقع الآن فى شارع البحر الأعظم عقب أن انتقلت من القرية الذكية التى كانوا يدفعون إيجار الكرسى الواحد فيها عشرة آلاف جنيه وفقا لما قاله العاملون فى المرفق.

ويشرح محمد،" إحنا مشتغلناش هنا غير بعد سنين من شغلنا كمسعفين، ده غير أن كل غرفة كانت فى الغالب من أهل المنطقة الخاصة بيها، يعين بنكون عارفين المكان وحافظينه ونقدر نوجه السيارات ليه، غير أن قبل التوجيه بيتم الاتصال بالمستشفيات عشان نوجه العربية ما تروحش ومتلاقيش مكان.. دلوقتى كل ده ما بيحصلش وكأن الدنيا بترجع لورا، وياريت أى حد يتصل بالإسعاف ويشوف هياخدوا وقت قد أية عشان يردوا عليه".

من حواديت بناء المكان وعصور الازدهار والبكاوات، حتى الثورة وأحداثها التى أخبأ فيها النظام السابق سيارات الإسعاف وجاء بعض المسعفين واقتحموا المكان لإخراج السيارات دون علم الوزارة.. تمر مئات الحواديت على ألسنة العاملين هنا، ولكن طلب وحيد أكدوا عليه هو أن الإسعاف ليس كسيارات التاكسى، يقول عبد الرحيم نصر رئيس اللجنة النقابية بالمرفق "إحنا قدمنا فعلا مشروع قنون لدمج هيئة إسعاف مصر ومرفق إسعاف القاهرة.. عشان يحصل تطوير حقيقى ويبقى فى خدمه واحدة بتقدم للجميع، مجلس الشعب الماضى قدم مشروع القانون وأتحل قبل الموافقة عليه، واللى تعتبر دلوقتى حل لمعظم مشاكل مرفق الإسعاف".

اليوم السابع